نموله هذه الفتوى
لقد وضع أهل العلم ضوابط للاستماع إلى ما يسمى اليوم بالأناشيد الإسلامية والتي كانت تعرف قديماً باسم : الحداء والرجز .
ومن المعلوم وفق النهج العلمي للاستدلال أن الحكم الشرعي إذا كان مرتبطاً بشروط أو ضوابط فإن الحكم يدور معها عدماً ووجوداً ، وعلى هذا فإنّ الاستماع لتلك الأناشيد مع الإخلال بهذه الضوابط أو شيء منها يفيد الحكم الشرعي من كونه مباحاً إلى كونه معصية أو بدعة .
أمّا ضوابط الاستماع ، فهي على النحو التالي :-
1. ألا تسمى هذه الأناشيد بالأناشيد الإسلامية أو الدينية كما هو شائع اليوم ، بل تسمى أشعاراً عربية ، أو أناشيد عربية ، أو حداء ، أو رجز كما كان معروفاً في الزمن الأول ، لأن تسميتها أناشيد إسلامية يعطيها شيئاً من المشروعية وأنها من الدين ، وهذا شيء لم يقل به إلا ضلال الصوفية ومبتدعتهم .
2. أن تكون خالية من الأهداف السيئة ، والمخالفات الشرعية كإثارة الفتنة والتحريش بين الناس ، والإغراء بشهوات النفس ، والغلو ونحوه ، ومن أمثلة النشيد الجيد ما يكون فيه مدحاً للإسلام وذماً للكفار ، وحثاً على التحلي بالأخلاق الفاضلة ، والأعمال الصالحة كالجهاد ونحوه .
3. عدم اقتران هذه الأناشيد بالآلات الموسيقية كالدف ونحوه ، لأن استخدام آلات الطرب والمعازف محرم مطلقاً ولو كانت الكلمات طيبة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :[ ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ] والمعازف هي آلات الطرب والموسيقى . ويجدر التنبيه إلى أن استخدام الدف أو غيره من المعازف في الأناشيد يشبه إلى حدٍ كبير ما يسمى بالتغبير الذي ذمه الأئمة ، وهو إنشاء الشعر بالألحان في حلقة الذكر وغيرها عند الصوفية ، وربما يصاحبه الطرب ببعض الآلات من القضبان أو الدف أو الطبل .
أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى الإمام الشافعي – رحمه الله – أنه قال : ( خلفت بالعراق شيئاً يسمى بالتغبير ، وضعته الزنادقة يشغلون به الناس عن القرآن ) . وذهب الإمام أحمد – رحمه الله – إلى أنه بدعة محدثة وهذا منقول عنه بسند صحيح .
4. ألا يخرج من كونه مباحاً ، وهذا يقتضي أمرين :-
الأول:- عدم التوسع فيه وقد كان هذا واضحاً عند السلف الأول فإنهم كانوا ينشدون الحداء ويرتجزون الشعر عند مزاولة الأعمال الشاقة تنشيطاً لنفوسهم ، وكذلك في السفر لطرد النعاس ، واهتداء الإبل إلى الطريق بصوت الحادي ، أم اليوم فقد توسع في أمر الأناشيد كثيراً حتى أصبحت فناً من الفنون وأصبح لها فرق خاصة ، وأقبل على استماعها كثيراً من الشباب والشابات حتى شغل كثير منهم بها ، وأصبحت تزاحم استماع تسجيلات القرآن الكريم والسنة النبوية والمحاضرات النافعة .
الثاني:- عدم جعلها وسيلةً من وسائل الدعوة إلى الله ، وقد عد الإمامان ( ابن تيمية ، والشاطبي ) – رحمهما الله – استخدام الإنشادات الشعرية كوسيلة للدعوة إلى الله من البدع المنكرة ، وأن من قال : " أنه لا يمكن جمع الناس واستقطابهم إلا بها فهو مبتدع ضال " . راجعي مجموع الفتاوى ( 11/ 620- 635 ) الاعتصام ( 1/ 270- 273 ) .
5. أّلا تُنشد بأصوات المردان الفاتنة ، أو بألحانٍ تشبه ألحان الفسقة من المغنين . قال العلامة ابن القيم – رحمه الله – في ( إغاثة اللهفان 1/248 ) : " وأما سماعه – يعني الغناء – من المرأة الأجنبية ، أو الأمرد ، من أعظم المحرمات ، وأشدها فساداً للدين " . ,أما تلحين الأناشيد بألحان تشبه ألحان المغنين فهذا منهي عنه لأن فيه تشبهاً بهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول [ من تشبه بقومٍ فهو منهم ] .
تنبيه : حكم استخدام الدفوف في الأناشيد .
الأصل في استخدام الدف التحريم لأنه داخل في جملة آلات الطرب والمعازف المحرمة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم
[ ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ] ومعنى كلمة يستحلون أنها محرمة لكنهم استحلوها بفعلهم إياها وتعاطيهم لها .
ولكن يستثنى من هذا الأصل استخدام الدفوف بالنسبة للنساء فقط في العرس أو العيد شريطة أن يكون الكلام مباحاً ليس فيه وصفاً لمحاسن المرأة وذكر الفجور ، وألا يرفعن أصواتهن بحيث يسمعهن الرجال .
أم استخدام الدفوف لغير هذا فحكمها على الأصل وهو التحريم إذا كانت مستخدمة لمجرد التلذذ والاستماع ، أما إذا استخدمت في حلقات الذكر كما هو الواقع عند الصوفية فهذه من البدع المنكرة –عياذاً بالله –
للاستزادة من الموضوع ، انظري الفتاوى الإماراتية للشيخ الألباني – رحمه الله – والبيان لأخطاء بعض الكتاب للشيخ الفوزان – حفظه الله –